ومن رحمة الرحمن الرحيم أنه يعيذ برضاه من سخطه، وبعفوه من عقوبته، ومن نفسه بنفسه.
ومن رحمته سبحانه أن خلق للذكر من الحيوان أنثى من جنسه، وألقى بينهما المحبة والرحمة، ليقع بينهما التواصل الذي به دوام النسل، مع حصول المتعة.
ومن رحمته سبحانه أنْ أحوج الخلق بعضهم إلى بعض لتتم مصالحهم، ولو أغنى بعضهم عن بعض لتعطلت مصالحهم، وفسدت معيشتهم.
ومن تمام رحمته عزَّ وجلَّ أن جعل في عباده الغني والفقير، والعزيز والذليل، والقادر والعاجز، والراعي والمرعي، ثم أفقر الجميع إليه، ثم عمَّ الجميع برحمته: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥)} [فاطر:١٥].
وأوسع المخلوقات عرشه سبحانه، وأوسع الصفات رحمته، فاستوى على عرشه الذي هو أوسع المخلوقات، بصفة الرحمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي كما قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥].
ولما استوى على عرشه بهذا الاسم، كتب مقتضاه على نفسه كتاباً فهوعنده وضعه على عرشه، أن رحمته سبقت غضبه، فكان هذا الكتاب كالعهد منه سبحانه للخليقة كلها بالرحمة لهم، والعفو عنهم، والمغفرة لهم، والتجاوز والإمهال، والحلم والأناة.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَمَّا قَضَى الله الْخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» متفق عليه (١).
فكان قيام العالم العلوي والسفلي بمضمون هذا الكتاب، الذي لولاه لكان للخلق شأن آخر.
وقد جعل الله عزَّ وجلَّ الخلق والتعليم ناشئاً عن صفة الرحمة، متعلقاً باسم
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧٤٥٣) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٧٥١).