وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه، وتشبه بأخلاق الملائكة، صار قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم.
ومهما غلب على القلب ذكر الدنيا بمقتضيات الهوى، وجد الشيطان مجالاً فوسوس.
ومهما انصرف القلب إلى ذكر الله تعالى ارتحل الشيطان، وضاق مجاله، وأقبل الملك، وألهم فعل الخير.
والتطارد بين جندي الملائكة والشياطين دائم، إلى أن ينفتح القلب لأحدهما فيستوطن ويستمكن، ويكون اجتياز الثاني اختلاسًا.
ولا يمحو وسوسة الشيطان من القلب إلا ذكر ما سوى ما يوسوس به، لأنه إذا خطر في القلب شيء، انعدم منه ما كان فيه من قبل.
فينبغي للعبد أن يشتغل بدفع العدو عن نفسه، لا بالسؤال عن أصله ونسبه ومسكنه.
وأن يعرف سلاح عدوه، ليدفعه عن نفسه، وسلاح الشيطان الهوى والشهوات، وذلك كافٍ للعالمين.
فالقلب كالحصن، والشيطان عدو يريد أن يقتحم الحصن ويدخله، فيملكه ويستولي عليه.
ولا يقدر الإنسان على حفظ الحصن من العدو إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله، ومواضع ثلمه.
فمن أبوابه العظيمة: الغضب والشهوة، فالغضب غول العقل، وإذا ضعف جند العقل، هجم جند الشيطان، فأفسد القصر ومن فيه.
ومهما غضب الإنسان، لعب الشيطان به، وفجر شهواته فيما يغضب الله.
ومن أبوابه العظيمة: الحسد والحرص، فمهما كان الإنسان حريصًا على كل شيء، أعماه حرصه، وأصمه عن الإيمان، وأقعده عن الطاعات، وزين له الكفر والفسوق والعصيان.