فإذا قويت النفس الأمارة، فاستنزلوا القلب من حصنه، واعزلوه عن مملكته، وولوا مكانه النفس الأمارة، فإنها لا تأمر إلا بما تهوونه وتحبونه.
واستعينوا على بني آدم بجنديين عظيمين:
أحدهما: جند الغفلة، فأغفلوا قلوب بني آدم عن الله، وعن أوامر الله، وعن الدار الآخرة، فإن القلب إذا غفل عن الله تعالى تمكنتم منه.
والثاني: جند الشهوة، فزينوا الشهوات في قلوب بني آدم، وحسنوها في أعينهم، فإن رأيتم جماعة اجتمعوا على ذكر الله، ولم تقدروا على تفريقهم، فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من الإنس البطالين.
وانتهزوا فرصة الشهوة والغضب، فلا تصطادوا بني آدم في أعظم من هذين الوطنين، فإني أخرجت أبويهم من الجنة بالشهوة، وألقيت العداوة بين أولادهم بالغضب: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)} [سبأ: ٢٠].
فالمداخل التي يأتي الشيطان من قبلها إلى الإنسان ثلاثة:
الشهوة .. والغضب .. والهوى.
فالشهوة بهيمية، وبها يصير الإنسان ظالمًا لنفسه، ومن نتائجها الحرص والبخل.
والغضب سبعية، وهو آفة أعظم من الشهوة، وبالغضب يصير الإنسان ظالمًا لنفسه ولغيره، ومن نتائجه العجب والكبر.
والهوى شيطانية، وهو آفة أعظم من الغضب، وبالهوى يتعدى ظلمه إلى خالقه بالشرك والكفر، ومن نتائجه الكفر والبدعة والمعصية.
وأكثر ذنوب الخلق بهيمية، لعجزهم عن غيرها، ومنها يدخلون إلى بقية الأقسام.