وكونه تعالى إله الخلق يقتضي كمال ذاته وأسمائه وصفاته، ووقوع أفعاله على أكمل الوجوه وأتمها، فكما أن ذاته الحق، فقوله الحق، ووعده الحق، وأمره الحق، ولقاؤه حق، والجنة حق، والنار حق، وأفعاله كلها حق، فمن أنكر شيئاً من ذلك فما وصف الله بأنه الحق.
وكيف يظن أحد بالملك الحق أن يخلق خلقه عبثاً، وأن يتركهم سدى، لا يأمرهم ولا ينهاهم، ولا يثيبهم ولا يعاقبهم؟: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)} [المؤمنون: ١١٥ - ١١٦].
وهو سبحانه الملك الذي خلق الممالك كلها، المتصرف فيها كيف يشاء وحده، تصرف ملك قاهر عادل رحيم تام الملك، لا ينازعه في ملكه منازع، ولا يعارضه فيه معارض.
وتصرفه سبحانه في ملكه دائر بين العدل والإحسان، والحكمة والمصلحة، والرحمة والمغفرة، لا يخرج تصرفه عن ذلك: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)} [الجاثية: ٣٦، ٣٧].
والله تبارك وتعالى هو الملك الذي له ملك كل شيء، وله ملك السموات والأرض، وله وحده الملكية الشاملة المطلقة في هذا الكون، والناس ليس لهم ملكيةً ابتداءً لشيء، إنما لهم استخلاف من الملك الواحد الذي يملك كل شيء، ويستخلف من يشاء، وعليهم أن يخضعوا في خلافتهم لشروط المالك الذي استخلفهم، فإن خالفوا فإن الله سيسألهم ويحاسبهم ويعاقبهم.
فالله أعطى آل إبراهيم الملك والنبوة والكتاب، وآتى فرعون الملك والسيادة، وابتلى هذا .. وابتلى ذاك، فخسر هذا .. وفاز ذاك كما قال سبحانه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ