للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخضوع والانكسار بين يدي الله، واليأس من نفسه، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته.

فإن من حقه سبحانه أن يطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر، وأن يعبد وحده دون سواه.

فمن نظر في هذا الحق الذي لربه عليه، علم علم اليقين أنه غير مؤدٍ له كما ينبغي، وأنه لا يسعه إلا طلب العفو والمغفرة، وأنه إن أحيل على عمله هلك.

فهذا محل نظر أهل المعرفة بالله تعالى وبنفوسهم، وهذا الذي أيأسهم من أنفسهم، وعلق رجاءهم كله بعفو الله ورحمته.

قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣)} [المائدة: ٢٣].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أحَدًا عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلا أنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «وَلا أنَا، إِلا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَاعْلَمُوا أنَّ أحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ أدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ» متفق عليه (١).

وإذا تأمل العبد حال أكثر الناس وجدهم بضد ذلك، ينظرون في حقهم على الله، ولا ينظرون في حق الله عليهم، ومن هنا انقطعوا عن الله، وحجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتلذذ بذكره، والابتهاج بطاعته، وهذا غاية جهل الإنسان بنفسه وربه.

فمحاسبة النفس تكون بنظر العبد في حق الله عليه أولاً، ثم نظره هل قام به كما ينبغي لجلال الله ثانيًا، ثم نظره هل أداه في وقته ثالثًا ثم نظره في تقصيره عن شكر ما أنعم الله به عليه رابعاً.

وأفضل الفكر الفكر في ذلك .. فإنه يسير بالقلب إلى الله .. ويطرحه بين يديه ذليلاً خاضعًا .. منكسرًا كسرًا فيه جبره .. ومفتقرًا فقرًا فيه غناه .. وذليلاً ذلاً فيه عزه.


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٤٦٤)، ومسلم برقم (٢٨١٨) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>