الثاني: معرفة توجب الحياء منه، والمحبة له، وتعلق القلب به، والشوق إلى لقائه، والإنابة إليه، وخشيته، والأنس به، والفرار من الخلق إليه، والتوكل عليه وحده، والناس فيها متفاوتون.
ولهذه المعرفة بابان واسعان:
الأول: باب التفكر والتأمل في آيات القرآن، والفهم الخاص عن الله ورسوله.
الثاني: باب التفكر في آياته المشهودة وتأمل حكمة الله فيها، ومعرفة عظمته في بديع صنعها.
وجماع ذلك: الفقه في أسمائه وصفاته سبحانه، والفقه في أوامره ونواهيه، والفقه في قضائه وقدره، فمن أوتيه فليحمد الله بالعمل به، والدعوة إليه: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)} [الجمعة: ٤].
ومن رحمة الله بعباده أن أرسل إليهم الرسل بآيات تبين الحق وتظهره، وتوضح المشكل، وتجعله للقلب بمنزلة الشمس للأبصار، يرى بها الإنسان كل شيء جليًا كما قال سبحانه: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤)} [الأنعام: ١٠٤].
فيا أيها الإنسان .. عش ما شئت فإنك ميت .. وأحبب من شئت فإنك مفارقه .. واعمل ما شئت فإنك ملاقيه: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦)} [الغاشية: ٢٥، ٢٦].
وكمال الإنسان لا بذاته، بل بإيمانه وعلمه وعمله، وأشرف العلوم وأجلّها وأكملها وأزكاها:
العلم بالله وأسمائه وصفاته .. والعلم بدينه وشرعه.
فالأول معرفة المعبود، والثاني معرفة ما يتقرب به العبد إلى المعبود، ولا بدَّ لكل عبد من هذا وهذا كل يوم.
الأول فيه غذاء قلبه وروحه، والثاني فيه عبودية بدنه وجوارحه.
وبذلك يكمل ظاهر الإنسان وباطنه، وسره وعلانيته، وقلبه وبدنه، ويسعد في