لا يقبل إلا الحق، فإذا لم يوضع فيه، فإنه لا يقبل غير ما خلق له، وهو مع ذلك ليس بمتروك.
فإنه لا يزال في أودية الأفكار الرديئة وأقطار الأماني السافلة.
وإنما يحول بين القلب وبين الحق في غالب الأحوال شغله بغيره من فتن الدنيا، ومطالب الجسد، وشهوات النفس.
وقد يعرض له الهوى قبل معرفة الحق، فيبعده عن النظر فيه، فلا يتبين له الحق، وكثيراً ما يكون ذلك عن كبر يمنعه عن أن يطلب الحق، وقد يعرض له الهوى بعد أن عرف الحق فيجحده ويعرض عنه.
فالقلب إن كان ليناً رقيقاً كان قبوله للعلم سهلاً يسيراً، ورسخ فيه العلم وثبت وأثر.
وإن كان القلب قاسياً غليظاً كان قبوله للعلم صعباً عسيراً.
ولا بدَّ مع ذلك أن يكون القلب زاكياً صافياً سليماً حتى يزكو فيه العلم، ويثمر ثمراً طيباً، وإلا فلو قبل العلم وكان فيه كدر وخبث أفسد ذلك العلم كالدغل في الزرع إن لم يمنع الحب أن ينبت منعه أن يزكو ويطيب.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وَإنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهِيَ الْقَلْبُ» متفق عليه (١).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أصَابَ أرْضاً، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ، فَأنْبَتَتِ الْكَلا وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أجَادِبُ، أمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أخْرَى، إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٥٢)، ومسلم برقم (١٥٩٩).