فيهديهم من يملك الهدى وحده للتي هي أقوم في نظام الحكم، ونظام المال، ونظام الاجتماع، والنظام الفردي اللائق بعالم الإنسان.
ويهدي للتي هي أقوم بربط كل إنسان بنفسه وعمله، إن اهتدى فلها، وإن ضل فعليها، وما من نفس تحمل وزر أخرى، إنما يسأل كل أحد عن عمله، ويجزى كل بعمله: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥].
ويهدي القرآن للتي هي أقوم ببناء الأسرة على الوضوح والعفة، فيأمر باختيار الزوجة الصالحة، وإعلان هذا الزواج بين الناس.
وينهى عن الزنا؛ لأن في الزنا قتلاً من نواح شتى:
ففيه إراقة لمادة الحياة في غير موضعها، يتبعه غالباً التخلص من آثاره بقتل الجنين قبل أن يتخلق، أو بعد أن يتخلق، أو بعد مولده.
وإذا تُرك الجنين للحياة تُرك في الغالب لحياة شريرة، أو حياة مهينة في المجتمع.
وهو قتل للجماعة التي يفشو فيها، فتضيع الأنساب، وتختلط الدماء، وتزول الثقة في العرض والولد.
وهو قتل للجماعة من جانب آخر، إذ أن سهولة قضاء الشهوة عن طريقه، يجعل الحياة الزوجية نافلة لا ضرورة لها، ويجعل الأسرة تبعة لا داعي لها، والأسرة هي المحضن الصالح للمواليد الناشئة، لا تصح فطرتها ولا تسلم تربيتها إلا فيه.
ولذلك يحذر القرآن من مجرد مقاربة الزنا؛ لأن الزنا تدفع إليه شهوة خفية، فالتحرز من المقاربة أضمن: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)} [الإسراء: ٣٢].
ومن ثم يأخذ الإسلام الطريق على أسبابه الدافعة توقياً للوقوع فيه.