للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٣، ٤].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الكتاب وَمِثْلَهُ مَعَهُ» أخرجه أحمد وأبو داود (١).

ومن آثار رحمة الله تعالى أن أنزل القرآن الكريم وحياً يتلى إلى يوم القيامة، محفوظ من التبديل والتغيير كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩].

فكان دليلاً على إثبات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكان خير حافظ للشريعة من عبث العابثين، وتحريف الغالين، وكان وما زال نوراً ساطعاً: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)} [المائدة: ١٦].

وكما حفظ الله شريعته بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، رفع الإصر والحرج عن عباده، فأنزل على رسوله الكريم إلى جانب القرآن العزيز نوعاً آخر من الوحي هو السنة، أنزلها إليه بالمعنى، وجعل اللفظ إليه، إيذاناً بأن في الأمر سعة على الأمة وتخفيفاً عليها.

فيجوز للمسلمين أن يبلغوا عنه - صلى الله عليه وسلم - باللفظ النبوي إن تيسر وهو الأولى، لما فيه من أنوار النبوة، وحسن الفصاحة.

ويجوز أن يبلغوا عنه - صلى الله عليه وسلم - بعبارات تفي بالمقصود؛ لأن المقصود المعنى لا اللفظ.

وفي هذا الوحي وهذا الوحي صون للشريعة، وتخفيف على الأمة.

ولو كان الوحي كله من قبيل القرآن الكريم في التزام أدائه بلفظه لشق الأمر، وعظم الخطب، ولما استطاع الناس أن يقوموا بحمل هذه الأمانة الإلهية.

ولو كان الوحي كله من قبيل السنة في جواز الرواية بالمعنى، لكان فيه مجال للريب، ومثار للشك، ومغمز للطاعنين، الذين يقولون لا نأمن من خطأ الرواة


(١) صحيح: أخرجه أحمد برقم (١٧١٧٤)، وأبو داود برقم (٤٦٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>