ومعرفة دينه وشرعه .. ومعرفة اليوم الآخر، وما فيه من البعث والحشر .. والحساب والجزاء .. والجنة والنار .. ومعرفة قصص أنبياء الله ورسله، ونحو ذلك مما سماه الله في كتابه فقهاً وحكمة .. وعلماً وضياءً .. ونوراً وهدى .. ورحمة وشفاء ورشداً .. فقد أصبح بين أكثر الخلق مطوياً، وصار نسياً منسياً .. وجفاه أكثر الخلق إلا من رحم الله .. ومن عرفه عرفه معرفة مجملة لا توقظ القلوب الغافلة .. ولا تحرك الجوارح الساكنة.
ولما كان هذا ثلماً في الدين، ونقصاً في اليقين، تولد بسبب الجهل به ضعف الإيمان، ثم ضعف العمل بالدين، ثم ضعف الدعوة إلى الله، ثم فشو الشر، ثم ركوب مطايا الباطل، ثم نزول المصائب، وتوالي الكوارث.
لذا رأيت سده بما استطعت جمعه وتأليفه، وترتيبه وتهذيبه، ليكون منار هدى، وخزانة مملوءة بما لذ وطاب من غذاء القلوب والأرواح، وسلسيبلاً يزيل العطش والظمأ، وحادياً يحرك القلوب والجوارح، ويشوقها للعبادة، ويبعثها للطاعة، ويدفعها للتوبة من المعاصي.
وهذا باب عظيم من العبودية، لا يعرفه إلا القليل من الناس، ومن ذاق طعمه وحلاوته ولذته، بكى على أيامه الأول.
وأحسن ما ركبه الله في العقول والقلوب والفطر حسن التوحيد والإيمان بالله، وأحسن ما ركبه على الجوارح حسن الأخلاق والعمل الصالح.
والناس في الدنيا والدين، والعلم والعمل، مستقل ومستكثر ومحروم.
وأحسن ما تجمل به الخلق في الدنيا الإيمان والإحسان والتقوى، والعلم النافع، والعمل الصالح.
وقد فاضت من كثير من أئمة العلم والدين في مختلف العصور علوم نافعة، وكلمات جامعة، ومسائل فريدة، وقواعد محكمة، وأصول نافعة مباركة، إلا أنها منثورة في بطون الكتب، مفرقة في الصحف، مغمورة بعيدة عن متناول من يريد الانتفاع بها عند الحاجة إليها، وهي غذاء لازم لكل إنسان، لا يتم نعيمه