للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.

وآفة العلماء إذا آثروا الدنيا واتبعوا الرياسات والشهوات فلا بدَّ أن يبتدعوا في الدين مع الفجور في العمل فيجتمع لهم الأمران، فإن اتباع الهوى يعمي عين القلب، فلا تميز بين السنة والبدعة، أو ينكسه فيرى البدعة سنة، والسنة بدعة.

وكل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها فلا بدَّ أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه؛ لأن أحكام الرب كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس.

فمن أراد الدنيا وزينتها فلا بدَّ أن يهدم الآخرة ويهمل أعمالها؛ لأنشغاله بغيرها، ومن أراد الآخرة وأعمالها فلا بدَّ أن يهدم الدنيا ويعرض عن زينتها؛ لأنشغاله بغيرها.

فالدنيا والآخرة ضرَّتان إن ملت إلى إحداهما أضررت بالأخرى، ولا يمكن الجمع بينهما، فليؤثر العبد ما يبقى على ما يفنى، وما يحبه الله على ما يبغضه، وما هو أنفع وأدوم وأجمل: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧)} [الأعلى: ١٦، ١٧].

والعلماء هم أولو الأمر وأهل الاقتداء، يقتدي بهم السالك، ويهتدي بهم الحيران، ويشفى بهم العليل، ويستضاء بنور هدايتهم ونصحهم، وأقوالهم وأفعالهم، وحركاتهم وسكناتهم، لما كانت لله وبالله، وعلى أمر الله جذبت قلوب الصادقين إليهم.

وهذا النور الذي أضاء على الناس منهم هو نور العلم والمعرفة.

والعلماء ثلاثة:

الأول: عالم استنار بنور العلم، واستنار به الناس منه، فهذا من خلفاء الرسل وورثة الأنبياء.

الثاني: عالم استنار بنوره، ولم يستنر به غيره، فهذا إن لم يفرط كان نفعه قاصراً على نفسه، فبينه وبين الأول ما بينهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>