للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يضيع منها شيء كما قال سبحانه: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤)} [الطارق: ٤].

ثم نبه سبحانه بقوله: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨)} [الطارق: ٨].

على بعث الإنسان لجزائه على العمل الذي حفظ وأحصى عليه، فذكر سبحانه شأن مبدأ عمله ونهايته.

فبدايته محفوظ عليه .. ونهايته الجزاء عليه كما قال سبحانه: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)} [الطارق: ٩].

والسرائر: جمع سريرة، وهي سرائر الله التي بينه وبين عبده في ظاهره وباطنه لله.

فالإيمان من السرائر .. والشرائع من السرائر .. والشعائر من السرائر.

فتختبر ذلك اليوم حتى يظهر خيرها من شرها، ومؤديها من مضيعها، وما كان لله مما لم يكن له.

والأعمال نتاج السرائر الباطنة، فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحاً، فتبدو سريرته يوم القيامة على وجهه نوراً وإشراقاً وجمالاً.

ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعاً لسريرته، ولا اعتبار لصورته، فتبدو سريرته يوم القيامة على وجهه سواداً وظلمةً وشيناً، وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته، فيوم القيامة تبدو عليه سريرته، ويكون الحكم والظهور لها.

والعلم بغير إيمان فتنة، فتنة تعمي وتطغي، فالعلم الظاهري يوحي بالغرور والكبر، إذ يحسب صاحبه أنه يتحكم بعلمه هذا في قوى ضخمة، ويملك مقدرات عظيمة، فيتجاوز بنفسه قدرها ومكانها، وينسى الآماد الهائلة التي يجهلها، ويلبس ثوباً أكبر منه.

ولو قاس ما يعلم إلى ما يجهل، وما يقدر عليه في هذا الكون إلى ما يعجز عنه، لطامن من كبريائه، وخفف من فرحه الذي يستخفه.

وهؤلاء فرحوا بما عندهم من العلم، واستهزؤوا بمن يذكرهم بما وراءه فحاق بهم العذاب وفق سنة الله: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>