والعبد دائماً في كل نية وفي كل عمل محتاج إلى الهداية .. إلى الطريق الذي ارتضاه الله لعباده، فهو دائماً يطلب الهداية من ربه؛ لأنه ارتضاه رباً وإلهاً ومشرعاً، فلا يتوكل إلا عليه، ولا يستعين إلا به، ولا يطلب الهداية إلا منه كما قال سبحانه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} [الفاتحة: ٦].
إن جوارح الإنسان خاضعة له بالتسخير في الحياة الدنيا، فإذا أمرها بطاعة استجابت، وإذا أمرها بمعصية فهي تؤديها كارهة؛ لأنها مسخرة لا تستطيع أن تعصي للإنسان أمراً.
فإذا جاءت الآخرة، وزال التسخير نطقت الجوارح بما كان الإنسان يعمله من خير وشر: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)} [النور: ٢٤].
إن كل حي سوى الله فقير إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، والمنفعة للحي من جنس النعيم واللذة، والمضرة من جنس الألم والعذاب.
فلا بدَّ من أمرين:
أحدهما: المطلوب المقصود المحبوب الذي ينتفع به، ويستأنس به.
والثاني: المعين الموصل لذلك المقصود، والمانع من حصول المكروه، والدافع له بعد وقوعه.
والله عزَّ وجلَّ هو المطلوب المعبود المحبوب وحده لا شريك له، وهو وحده المعين للعبد على حصول مطلوبه، فلا معبود سواه، ولا معين على المطلوب غيره.
وكل ما سواه هو المكروه المطلوب بعده، وهو سبحانه وحده المعين للعبد على دفعه.
والله سبحانه وتعالى هو الذي يؤله فيعبد محبة وإنابة وإجلالاً وإكراماً.
والرب هو الذي يربي عبده، فيعطيه خلقه ثم يهديه إلى جميع أحواله ومصالحه التي بها كماله، ويهديه إلى اجتناب المفاسد التي بها فساده وهلاكه.