ولا بدَّ للإنسان بعد الإيمان من العمل، والعمل لا يكون إلا بعلم، وإلا فهو مردود.
وصحة العبادة تكون بعلمين:
علم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وعلم بأوامر الله، والعلم بأوامر الله نوعان:
علم الفضائل .. وعلم المسائل.
وعلم الفضائل مقدم على علم المسائل؛ لأنه يهيئ الإنسان لقبول المسائل كما تهيئ التربة لقبول البذر، فالبذر هو المسائل، والتهيئة هو علم الفضائل الذي يحرك مع الإيمان الجوارح للطاعات، ويقيدها عن المعاصي والمحرمات، ويدفعها للمنافسة في الخيرات، والإكثار من الطاعات.
والله عزَّ وجلَّ لم ينزل الأحكام إلا بعد أن أنشأ الاستعداد للقيام بها في القلوب، فلما جاء الإيمان، جاءت الأعمال محبوبة خفيفة على النفوس، ففي مكة فترة الدعوة والجهد لتحصيل الإيمان، ومعرفة الفضائل، والترغيب في أحسن الأخلاق.
وفي المدينة فترة الأحكام والتشريعات والأوامر والسنن.
والأوامر تنزل من ذات الله سبحانه، والأعمال تخرج من ذوات العباد فإذا تطابقت أفعال العباد مع أوامر الله جاء الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، وإذا اختلفت جاء الهلاك في الدنيا والآخرة.
وإذا جاء الإيمان في القلب جاء أمران:
الطاعة والعبودية .. والرغبة في هداية الناس.
والدافع والمحرك لهما الإيمان، والعلم نورهما اللذان يسيران به.
وكل واحد من البشر بين أمرين:
الأول: أمر يفعله الله به: كالهداية التي أكرمه الله بها، والنعم التي تنزل عليه كل يوم من ربه، فذلك يحتاج إلى الشكر ليزيد ويبقى.