والشوق إلى الله لا ينافي الشوق إلى الجنة، فإن أطيب ما في الجنة قربه تعالى، ورؤيته، ورضاه، وسماع كلامه.
فالشوق فقط إلى مجرد الأكل والشرب والحور العين ناقص جداً بالنسبة إلى شوق المحبين إلى الله تعالى، بل لا نسبة له إليه البتة.
والشوق إلى الله درجتان:
أحدهما: شوق زرعه الحب الذي ينبت على حافات المنن، سببه مطالعة منه الله وإحسانه ونعمه.
الثاني: شوق زرعه الحب الذي نشأ واستقر من معرفة ومحبة أسماء الله وصفاته المختصة بالمن والإحسان، كالبر والمنان، والمحسن والمعطي، والغفور والرحيم، والوهاب والكريم، ونحو ذلك، وهذه أكمل وأقوى.
الثالثة: شوق أضرمه صفو المحبة، لا لأجل المنن والنعم فقط بل لأجل ذات الله وصفاته، وجماله وجلاله وكماله.
فمنعت نار الشوق هذه السكون إلى لذيذ العيش ونغصته، وسلبت السلوة بغيره سبحانه.
ولكمالها وقوتها لم يكفها ويردها قرار دون لقاء المحبوب، وهذه لا يقاومها الإصطبار؛ لأنه لا يكفها دون لقاء من يحب قرار.
وحقيقة الشوق: سفر القلب في طلب محبوبه، بحيث لا يقر قراره حتى يظفر به ويحصل له.
فكأنه لهيب ينشأ بين أثناء الحشا سببه الفرقة، فإذا وقع اللقاء أطفأ ذلك اللهيب.
والفرق بين الشوق والمحبة، أن الحامل على الشوق هو المحبة، فالمحبة بذر في القلب، والشوق بعض ثمرات ذلك البذر، وكذلك من ثمرات المحبة حمد المحبوب، والرضى عنه، وشكره، وخوفه ورجاؤه، والتنعم بذكره، والسكون