وإن رفضها ولم يقف معها وصدق في سيره وطلبه ابتلي بوطء عقبه، وتقبيل يده، وكثرة الأتباع، والتوسعة له في المجلس، والإشارة إليه بالدعاء، ورجاء بركته ونحو ذلك.
فإن وقف مع ذلك انقطع به عن الله وكان حظه منه.
وإن قطعه ولم يقف معه ابتلي بالكرامات، فإن وقف معها انقطع بها عن الله وكانت حظه.
وإن لم يقف معها ابتلي بالتجريد والتخلي، ولذة الجمعية، وعزة الوحدة، والفراغ من الدنيا.
فإن وقف مع ذلك انقطع به عن المقصود.
وإن لم يقف معه وسار ناظراً إلى مراد الله منه، وما يحبه منه، بحيث يكون عبده الموقوف على محابه ومراضيه أين كانت؟ وكيف كانت؟ تعب بها أو استراح، تنعم أو تألم، أخرجته إلى الناس أو عزلته عنهم.
لا يختار لنفسه غير ما يختار له وليه وسيده، واقف مع أمره ينفذه حسب استطاعته، ونفسه عنده أهون عليه أن يقدم راحتها ولذتها على مرضاة سيده وأمره.
فهذا هو العبد الذي وصل ونفذ، ولم يقطعه عن سيده شيء البتة: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)} [الجمعة: ٤].
وكل مسلم بالنسبة لأوامر الله مكلف بجهات ثلاث:
من جهة قلبه بالإيمان والتوحيد .. والتسليم والانقياد.
ومن جهة عقله بتقديم أوامر الله عزَّ وجلَّ على أوامر الخلق .. وتقديم ما يحبه الله على ما تحبه النفس.
ومن جهة جسده بالعمل والعبادة.
والإخلاص في العبادة هو أن يؤديها العبد لله؛ لأن الله أمر بها، وإن اشتمل الأمر على حكم تكون علة للامتثال، إلا أن الإخلاص يقتضي أن تكون العلة هي