للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الباب العظيم يدخل منه كل أحد إلى محبته سبحانه، فإن نعمه على عباده مشهودة لهم، يتقلبون فيها على عدد الأنفاس واللحظات.

فهذه محبة للرب تنشأ من مطالعة المنن والإحسان، ورؤية النعم والآلاء، وكلما سافر القلب فيها ازدادت محبته وتأكدت، ولا نهاية لها فيقف القلب عندها.

وكلما ازداد العبد فيها نظراً ازداد فيها اعتباراً وعجزاً عن ضبط القليل منها، فيستدل بما عرفه على ما لم يعرفه.

والله سبحانه وتعالى دعا عباده إليه من هذا الباب، حتى إذا دخلوا منه، دُعوا من الباب الآخر وهو:

القسم الثاني: وهو باب الأسماء والصفات الذي إنما يدخل منه إليه خواص خلقه وأوليائه، وهو باب المحبين حقاً، الذي لا يدخل منه غيرهم، ولا يشبع من معرفته أحد منهم.

فإذا انضم داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال، لم يتخلف عن محبة مَنْ هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها، وأشدها نقصاً، وأبعدها من كل خير.

فإن الله عزَّ وجلَّ فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه وأخلاقه، ومعلوم أنه لا أحد أعظم إحساناً منه سبحانه، ولا شيء أكمل منه ولا أجمل.

وكل كمال وجمال في المخلوق فمن آثار صنعه سبحانه، وهو سبحانه الذي لا يحد كماله، ولا يمكن لأحد أن يحيط بجلاله وجماله، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بجميل صفاته، وعظيم إحسانه، وبديع أفعاله، بل هو كما أثنى على نفسه كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا أحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» أخرجه مسلم (١).

فهو سبحانه المحمود على كل ما فعل، وعلى كل ما أمر، إذ ليس في أفعاله


(١) أخرجه مسلم برقم (٤٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>