للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو سبحانه يحب من نفسه البر والإحسان، وقد استدعى هذا العبد من ربه فعل ما غيره أحب إليه منه.

فأي مقت خلى هذا المخدوع عن نفسه لم يتعرض له من ربه؟.

ومع سوء هذا العبد وما تعرض له من المقت والخزي والهوان فالله يستعطفه، ويدعوه إلى العود إليه، ويفرح بتوبته ورجوعه إلى مولاه الحق الذي هو أولى به.

فإذا رجع هذا العبد إلى ما يحب سيده، وتاب إليه ورجع إليه، وأقبل عليه، ورجع عن عدوه، فقد سار إلى الحال التي تقتضي محبة سيده له، وإنعامه عليه، وإحسانه إليه.

فيفرح به مولاه أعظم فرح، وهذا الفرح هو دليل غاية الكمال والغنى والمجد، فرح محسن به، لطيف جواد، غني حميد، لا فرح محتاج إلى حصول متكمل به، بل الله خلق عباده المؤمنين، وخلق كل شيء من أجلهم، وكرمهم وفضلهم على سائر المخلوقات: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٢٠)} [لقمان: ٢٠].

وهذا العبد إذا عاد إلى ربه وتاب إليه، فهو بمثابة من أسر له العدو محبوباً له، وحالوا بينه وبينه فهرب منهم ذلك المحبوب رجاء إلى محبته اختياراً وطوعاً فكم يكون فرحه به؟ «لَلَّهُ أشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أحَدِكُمْ مِنْ أحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا» متفق عليه (١).

ومحبة الرب لعبده سبقت محبة العبد له، فإنه لولا محبة الله له لما جعل محبته في قلبه، فإنه سبحانه ألهمه محبته وآثره بها، فلما أحبه العبد جازاه على تلك المحبة محبة أعظم منها، فمن تقرب إلى الله شبراً تقرب إليه ذراعاً، ومن أتاه


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٣٠٩)، ومسلم برقم (٢٦٧٥)، واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>