والإرادات الفاسدة، وانقادت لأوامره، خاضعة له، وفوضت أمرها إلى مولاها، راضية بقضائه، مسلِّمة لحكمه.
وأناب الجسد بالقيام بالأعمال فرضها وسننها على أكمل الوجوه.
وأنابت كل جارحة وعضو إنابتها الخاصة، فلم يبق من هذا العبد المنيب عرق ولا مفصل إلا وله إنابة ورجوع إلى الحبيب الحق الذي كل محبة سوى محبته عذاب على صاحبها، وإن كانت عذبة في مباديها، فإنها عذاب في عواقبها.
فإنابة العبد -ولو ساعة من عمره هذه الإنابة الخالصة- أنفع له وأعظم ثمرة من إنابة سنين كثيرة من غيره.
فأين إنابة هذا من إنابة من قبله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، بل هذه روح منيبة أبداً، وأما أصحاب الإنابات السابقة، فإن أناب أحدهم ساعة بالدعاء والذكر، فلنفسه وروحه وقلبه وعقله التفاتات عمن قد أناب إليه، فهو ينيب ساعة، ثم يترك ذلك مقبلاً على دواعي نفسه وطبعه.
والله عزَّ وجلَّ يختار من خليقته من يعلم أنه يصلح للاجتباء لرسالته وولايته كما اجتبى هذه الأمة وفضلها على سائر الأمم، واختار لها أفضل الأديان وخيرها، وأعظم الكتب وأحسنها.
وهو سبحانه يهدي إليه من ينيب إليه كما قال سبحانه: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣)} [الشورى: ١٣].
والله سبحانه هو الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، ووصل جوده إلى جميع الموجودات، بحيث لا تستغني عن إحسانه طرفة عين.
وإذا عرف العبد بالدليل القاطع أن الله هو العظيم الذي يملك كل شيء، المنفرد بالنعم كلها، وكشف النقم كلها، وإعطاء الحسنات، وكشف السيئات والكربات وإن أحداً من الخلق ليس بيده من هذا شيء إلا ما أجراه الله على يده، جزم بأن الله هو الملك الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، فأقبل عليه، وأناب إليه،