محبته، وعلى إيثار مرضاته.
واستحدث همة أخرى وعلوماً أخر، وولد ولادة أخرى تكون نسبة قلبه فيها إلى الدار الآخرة كنسبة جسمه إلى هذه الدار بعد أن كان في بطن أمه.
فيولد قلبه ولادة حقيقية كما ولد جسمه حقيقة.
فخروج قلبه عن نفسه بارزاً إلى الدار الآخرة، كخروج جسمه عن بطن أمه بارزاً إلى هذه الدار.
وأكثر الناس لم يولدوا هذه الولادة ولا تصوروها، فضلاً عن أن يصدقوا بها، لم يكن لهم إليها همة ولا عزيمة، وإلا كما كان بطن أمه حجاباً لجسمه عن هذه الدار، فهكذا نفسه وهواه حجاب لقلبه عن الدار الآخرة.
وإذا كشف حجاب الغفلة عن القلب صدق بذلك وعلم أنه لم يولد قلبه بعد.
وكل إنسان في العالم هالك وخاسر إلا من قضى حياته في أمرين:
إصلاح نفسه .. وإصلاح غيره.
فإصلاح النفس تزكيتها وتربيتها حتى تستقيم على أوامر الله.
وإصلاح الغير دعوة الناس إلى الحق والصبر على ذلك كما قال سبحانه:
{وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)} [العصر: ١ - ٣].
والاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم الموصل إلى الله، وهو العدل الذي يجمع الحكمة والعفة والشجاعة، فالله عزَّ وجلَّ لما أسكن الروح في البدن المعرض للمهالك أودع فيه ثلاث قوى:
القوة الشهوانية البهيمية الجالبة للمنافع .. والقوة الغضبية السبعية الدافعة للمضار .. والقوة العقلية الملكية المميزة بين النافع والضار.
والله بحكمته لم يحدد تلك القوى.
فيحصل فيها إما الزيادة، أو النقصان، أو العدل -وهو الوسط-.
فتفريط القوة العقلية الغباوة والبلادة .. وإفراطها التدقيق في سفاسف الأمور ..