والذي يخلص من رضاه بفعله وسكونه إليه مطالعة عيوبه وآفاته، وتقصيره فيه، وما فيه من حظ النفس والشيطان، وعلمه بما يستحقه الرب جلَّ جلاله من حقوق العبودية، وآدابها الظاهرة والباطنة، وأن العبد أضعف وأعجز وأقل من أن يوفيها حقها، وأن يرضى بها لربه.
الدرجة الثانية: خجله من عمله، مع بذل مجهوده فيه، وهو شدة حيائه من الله، إذ لم ير ذلك العمل صالحاً له، ودون ما يليق بجلاله وعظمته سبحانه.
وتوفير الجهد التام لتصحيح العمل محتمياً عن شهوده له، ورؤية عمله من عين جوده سبحانه، لا بالعبد ولا منه كما قال سبحانه: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧)} [الحجرات: ١٧].
الدرجة الثالثة: إخلاص العمل، بأن يجعل العبد عمله تابعاً للعلم، موافقاً له، مؤتماً به، يسير بسيره، ويقف بوقوفه.
ناظراً إلى الحكم الديني الشرعي، متقيداً به فعلاً وتركاً، ناظراً إلى ترتيب الثواب والعقاب عليه سبباً وكسباً.
شاهداً للحكم الكوني القدري الذي تنطوي فيه الأسباب والمسببات، والحركات والسكنات، فلا يبقى هناك غير محض المشيئة، وتفرد الرب وحده بالأفعال.
نافياً لما سواه، معتصماً به وحده، متوكلاً عليه وحده، قاصداً وجهه وحده كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه سبحانه:«أنَا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلا أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» أخرجه مسلم (١).
والصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر الأعمال بدون الإيمان لا تكون شيئاً، ولا تكون عملاً صالحاً، بل هي مطلق عمل لا يعبأ الله به.