وأصل الرياء حب الجاه والمنزلة، وذلك يرجع إلى ثلاثة أصول وهي:
حب لذة الحمد .. والفرار من ألم الذم .. والطمع فيما في أيدي الناس.
عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ الله؟ قَالَ:«مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله» متفق عليه (١).
فهو يقاتل شجاعة ليذكر ويحمد، ويقاتل حمية لأنه يأنف أن يقهر ويذم، ويقاتل رياء ليرى مكانه، وهذا هو لذة الجاه والمنزلة في القلوب، فهذه الأمور الثلاثة هي التي تحرك الرياء.
والرياء له صور مختلفة:
فتارة يكون من جهة البدن .. وتارة من جهة اللباس .. وتارة من جهة الكلام .. وتارة من جهة العمل .. وتارة بكثرة الأصحاب والزوار، ونحو ذلك.
وفي إسرار الأعمال فائدة الإخلاص والنجاة من الرياء.
وفي إظهار الأعمال فائدة الاقتداء وترغيب الناس في الخير.
ومن الأعمال ما لا يمكن الإسرار به كالحج والجهاد، فعلى المظهر للعمل أن يراقب قلبه حتى لا يكون فيه حب الرياء الخفي، بل ينوي الاقتداء به.
فمن كان قوي الإيمان، تام الإخلاص، وصغر الناس في عينه، واستوى عنده مدحهم وذمهم، فلا بأس له في الإظهار؛ لأن الترغيب في الخير خير.
والله تبارك وتعالى خلق الإنسان للآخرة، وأعطاه الدنيا يستعين بها على طاعة الله، ومن جعل مقصد حياته الدنيا أعطاه الله من الدنيا ما يشاء، ولا حظ له في الآخرة كما قال سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨)} [الإسراء: ١٨].
فالذي يجعل مقصد حياته التجارة والزراعة أو الصناعة، الله يفهمه سر ذلك.
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧٤٥٨)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٩٠٤).