والله جل جلاله هو الخلاق العليم، خلق لعباده السمع والأبصار والأفئدة، وجعلها أمانة لديهم، فمن استعملها في طاعته أثابه الله، ومن استعملها في معصيته عاقبه عليها: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦)} [الإسراء: ٣٦].
وهو سبحانه البصير، الذي لا تدركه الأبصار، لعظمته وجلاله وكماله، والأبصار وإن كانت تراه يوم القيامة إلا أنها لا تدركه، ولا تحيط به لعظمته وكبريائه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)} ... [الأنعام: ١٠٢، ١٠٣].
فحقيق بالعبد الذي خلقة الله في أحسن تقويم، وأكرمه بالسمع والبصر والعقل، وأرسل اليه رسوله بالدين الكامل، أن يعبد الله بدينه الذي شرعه، ليسعد في دنياه وآخرته.
وأن يعرف كذلك أن ربه يراه، وأنه مسؤول عما قاله وفعله، وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته.
فالعاقل من استعمل قلبه ولسانه بذكر الله .. واستعمل جوارحه في طاعة الله ... وكفها عن معصية الله.
إن المؤمن حقاً إذا علم أن ربه مطلع عليه، استحى أن يراه على معصية، أو فيما لا يحب، ومن علم أنه يراه كذلك أحسن عمله وعبادته، وأخلص فيها لربه وخشع، وعبد الله بأحسن ما يستطيع، وتجمل له، وناجاه كأنه يراه.
فالاحسان أعلى مراتب الدين وهو «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّهُ يَرَاكَ» متفق عليه (١).
(١) متفق عليه، أخرجة البخاري برقم (٥٠) ومسلم برقم (٩).