الثانية: الانقطاع عن النفس بمجانبة الهوى، وتنسم روح الأنس بالله عزَّ وجلَّ، فالنفس لا بدَّ لها من التعلق، فلما انقطع تعلقها من هواها وجدت روح الأنس بالله، فأبصرت جمال وجلال معبودها، وطريقة الوصول إليه، وما أعده من النعيم لأوليائه.
وأدركت عيوب النفس وآفات الأعمال ومفسداتها، فانقطعت لربها ومولاها، الذي هو نعم المولى ونعم النصير.
الثالثة: الإعراض عما سوى الله، ولزوم الإقبال عليه، والاشتغال بمحابه، فلما كانت الدرجة الأولى انقطاعاً عن الخلق، والثانية انقطاعاً عن النفس، فالثالثة طلباً للسبق، وذلك بتصحيح الاستقامة بالإقبال على الله، وأن يشغله طلب الوصول إليه عن كل شيء، ويعلم أن قيام الخلق كلهم بالحق وحده، وقيامه عليهم بالربوبية والتدبير والتصريف.
الرابعة: انقطاع العبد عن مراده من ربه إلى مراد ربه منه، فلا يريد منه، بل يريد ما يريده الله منه من عبادته، وطاعته وتوحيده، منقطعاً بذلك عن كل إرادة.
فيعبد ربه بما شرع، ويستعين به في جميع أموره، ويوحده بذلك كله، مريداً بذلك وجهه، منقطعاً بذلك عن كل حظ ومراد يزاحم حق ربه ومراده.
فالتبتل معناه: الانقطاع إلى الله بالكلية بعيداً عن ملاحظة الأعواض، فالمتبتل ليس كالأجير الذي لا يخدم إلا لأجل الأجرة، فإذا أخذها انصرف عن باب المستأجر، بخلاف العبد فإنه يخدم بمقتضى عبوديته لا من أجل الأجرة {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)} [الحجر: ٩٨، ٩٩].