الدرجة الأولى: صدق القصد، وهو كمال العزم وقوة الإرادة، بأن يكون في القلب داعية صادقة إلى السلوك، وبه يتلافى كل تفريط، فلا يترك فرصة تفوته، وما فاته يتداركه بحسب الإمكان.
فيصلح من قلبه ما مزقته يد الغفلة والشهوة، ويعمر فيه ما خربته يد البطالة، ويقلع ما وجده شوكاً، ويزرع منه ما وجده بوراً.
قد انجذبت قوى روحه كلها إلى إرادة الله وطلبه، وابتعد عن صحبة أهل الغفلة وقطاع الطريق إلى الله، فإن اضطر لصحبتهم صحبهم بقالبه لا بقلبه؛ لئلا يفسدوا عليه حاله.
الدرجة الثانية: أن لا يتمنى الحياة إلا للحق، ولا يشهد من نفسه إلا أثر النقصان، ولا يلتفت إلى ترفيه الرخص، فهو لا يحب أن يعيش إلا ليشبع من رضى محبوبه، ويقوم بعبوديته لا لعلة من علل الدنيا وشهواتها، ولا يرى نفسه إلا مقصراً قليل الزاد.
فمن عرف نفسه وعرف ربه لم ير نفسه إلا بعين النقصان والتقصير، ويعمل على رضا محبوبه والتقلب في محابه، فإن كانت الرخص أحب إليه من العزائم كالفطر في السفر فعلها، فهو يستعد بهذه الرخصة لعبودية أخرى.
أما الرخص التأويلية، والآراء الشاذة، والأقوال التي تصيب وتخطئ، فالأخذ بها عين البطالة وهو مناف للصدق.
الدرجة الثالثة: الصدق في معرفة الصدق، فإن العبد إذا صدق الله رضي الله بعمله وحاله ويقينه؛ لأنه قد رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً.