وفقراء إلى ربهم في تألههم له، وحبهم له، وعبادتهم إياه، وإخلاص العبادة له .. فلو لم يوفقهم لذلك لهلكوا، وفسدت أرواحهم وقلوبهم وأحوالهم.
فهم الفقراء بالذات إلى ربهم بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أو لم يشعروا، ولكن الموفق منهم الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع إليه سبحانه أن يعينه على جميع أموره، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.
الغني الذي له ما في السموات وما في الأرض، وغناه تام من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق، وذلك لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، ومن غناه أنه أغنى الخلق كلهم في الدنيا والآخرة.
وهو سبحانه الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته، فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها عليا، وأفعاله كلها فضل وإحسان، وعدل وحكمة ورحمة، فهو الحميد في ذاته، الحميد في أسمائه وصفاته، الحميد على ما فيه، وعلى ما منه، الحميد في غناه.
فهذا الفقر العام المطلق، أما الفقر من المال فالعاقل يرى أن الأموال والأشياء كلها في خزائن الله تعالى لا في يد نفسه، فلا يفرق بين أن تكون بيده أو بيد غيره، وكل رزق في الكون فهو من رزقه.
وللفقير إلى الله آداب في باطنه وظاهره .. وآداب في مخالطته .. وآداب في أفعاله.
فأما أدب باطنه، فأن لا يكون فيه كراهة لما ابتلاه الله تعالى به من الفقر، فالله أعلم بما يصلح له، وإن كان كارهاً للفقر، فهذا أقل درجاته وهو واجب، وأرفع من هذا أن لا يكون كارهاً للفقر بل يكون راضياً به، وأرفع منه أن يكون طالباً له وفرحاً به، لعلمه بغوائل الغنى، كما قال سبحانه: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ