والمراد بالفقر هنا شيء أخص من هذا كله، وهو تحقيق العبودية لله، والافتقار إلى الله تعالى في كل حال، والاستغناء به عما سواه.
وأما الفقير الصابر .. والغني الشاكر .. أيهما أفضل؟.
فإن التفضيل لا يرجع إلى ذات الفقر والغنى، وإنما يرجع إلى الأعمال والأحوال، والتفضيل عند الله بالتقوى لا بالغنى والفقر كما قال سبحانه:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣].
فالإكرام ليس بالغنى، والإهانة ليست بالفقر، بل الإكرام أن يكرم الله عبده بطاعته والإيمان به، ومحبته ومعرفته، والإهانة أن يسلبه ذلك.
والدنيا: ما سوى الله تعالى من المال والجاه، والصور والمراتب، وهي اسم لمدة بقاء هذا العالم .. أو اسم لما بين السماء والأرض، فعلى الأول تكون الدنيا زماناً، وعلى الثاني تكون مكاناً.
ولما كان لها تعلق بالقلب واللسان والجوارح كان حقيقة الفقر تعطيل هذه الثلاثة عن تعلقها بها، وسلبها منها، وتفريغها لطاعة الله، وتحريكها وتشغيلها بامتثال أوامر الله، وحبسها عن محارم الله.
وجميع ما يدب على وجه الأرض من آدمي وحيوان، بري أو بحري، وكل طير، وكل حشرة، وكل ذرة، فالله تعالى قد تكفل بأرزاقهم وأقواتهم، وهم جميعاً فقراء إليه في إيجادهم وإمدادهم وبقائهم.
وهو سبحانه الذي يعلم مستقر هذه الدواب، والمكان الذي تنتقل إليه في ذهابها ومجيئها، وجميع حركاتها وسكناتها، وعوارض أحوالها، كل ذلك كتبه الله في اللوح المحفوظ، الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.