للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعمالهم شيء، ولا يظلمهم مثقال ذرة، بل يزيد أجور الصالحين من فضله وكرمه، ويعفو عن ذنوب المذنبين بلطفه وعفوه، ويعذب بالذنوب من يشاء من عباده بعدله، وهو بعباده خبير بصير.

ومن لطفه بعباده أنه يسوق إليهم أرزاقهم وما يحتاجونه في معاشهم، ومن لطفه عزَّ وجلَّ خلق الجنين في بطن الأم في ظلمات ثلاث، وحفظه فيها، وتغذيته بواسطة السرة إلى أن ينفصل، ثم إلهامه بعد الانفصال تناول الحليب من الثدي بالفم، ثم تأخير خلق الأسنان إلى وقت الحاجة إليها بعد الفطام.

ومن لطفه سبحانه فلق البيضة عن الفرخ، وإلهامه التقاط الحب في الحال.

فسبحان اللطيف الذي لطف أن يُدرك بالكيفية، اللطيف الخبير بأحوال الخلائق، اللطيف بالبر والفاجر حيث لم يقتلهم جوعاً بمعاصيهم، اللطيف بهم في أرزاقهم، حيث جعل رزق العبد من الطيبات، وقدر جميع رزقه لم يدفعه اليه مرة واحدة فيبذره: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)} [الأنعام: ١٠٣].

وسبحان اللطيف بمن لجأ إليه من عباده فيقبله ويقبل عليه، الذي يعطي الجزيل، ويقبل القليل، الذي لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، ولا يخيب من رجاه.

فهو سبحانه اللطيف على الكمال، وكل لطف في العباد إنما هو من عند ربهم، وهو اللطيف الذي يعلم الأشياء الدقيقة، ويوصل الرحمة إلى العباد بالطرق الخفية التي لا تخطر بالبال.

فما يبتلي الله به عباده من المصائب .. وما يأمرهم به من المكاره .. وما ينهاهم عنه من الشهوات .. هي طرق يوصلهم بها إلى سعادتهم في العاجل والآجل، كما ابتلى يوسف - صلى الله عليه وسلم - بالسجن فصبر فأعطاه الملك .. وابتلى ابراهيم - صلى الله عليه وسلم - بذبح إسماعيل فصبر وأطاع .. فجعل ذريته هم الباقين .. وجعل منهم أئمة يهدون ويدعون إلى الخير إلى يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>