وما يأتي به الكفار والمشركون والفجار في مقابلة العظمة والجلال والإكرام يقتضي البطش والهلاك، ولكن الله غفور حليم يمهلهم لعلهم يرجعون.
وهو سبحانه الذي خلق ما يصبر عليه، وما يرضى به.
فإذا أغضبته معاصي الخلق وكفرهم وشركهم وظلمهم، أرضاه تسبيح ملائكته وعباده المؤمنين، وطاعتهم له، وحمدهم له، فيعيذ رضاه من غضبه.
وكما جعل سبحانه في الأرض من يكفر به، ويجحد توحيده، ويكذب رسله، كذلك جعل فيها من عباده من يؤمن بما كفر به أولئك، ومصدق بما كذبوا به، وبهذا تماسك العالم العلوي والعالم السفلي: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩)} [الأنعام: ٨٩].
والله تبارك وتعالى ذو العزة والجبروت، وذو الجلال والإكرام، وذو الملك والكبرياء والعظمة خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بما يصلحهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة، ونهاهم عما يضرهم ويشقيهم في الدنيا والآخرة، وقدر عليهم أقداره وأحكامه، وهم لا يستطيعون القيام بما أمرهم، والكف عما نهاهم، وتحمل ما قدر عليهم إلا بالصبر.
وما أمر الله عزَّ وجلَّ بأمر إلا أعان عليه، ونصب له أسباباً تمده وتعين عليه.
ولما كان الصبر مأموراً به، جعل سبحانه له أسباباً تعين عليه، وتوصل إليه، كما أنه ما قدر داءً إلا وقدر له دواءً، وضمن الشفاء باستعماله.
والصبر وإن كان شاقاً كريهاً على النفوس فتحصيله ممكن، وهو يتركب من مفردين:
العلم .. والعمل .. فمنهما تُركب جميع الأدوية التي تداوى بها القلوب والأبدان.
فأما الجزء العلمي: فهو إدراك ما في المأمور من الخير والنفع واللذة والكمال، وإدراك ما في المحظور من الشر والضرر والنقص والهلاك.
فإذا أدرك هذين العلمين كما ينبغي أضاف إليهما العزيمة الصادقة، والهمة