سبيلاً البتة لا بباطنه ولا بلسانه، ولا بفعله ولا بحاله.
الثانية: أن ترضى بما رضي الحق به لنفسه عبداً من المسلمين أخاً، وأن لا ترد عن عدوك حقاً، وأن تقبل من المعتذر معاذيره.
فإذا كان الله رضي أخاك المسلم لنفسه عبداً، أفلا ترضى أنت به أخاً؟
فإن عدم رضاك به وقد رضيه سيدك الذي أنت عبده هو عين الكبر.
وأي قبيح أقبح من تكبر العبد على عبد مثله لا يرضى بأخوته، وسيده راض بعبوديته؟
قال الله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨)} [لقمان: ١٨].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَلا أخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأبَرَّهُ. أَلا أخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ عُتُلٍّ، جَوَّاظٍ، مُسْتَكْبِرٍ» متفق عليه (١).
وكذلك تقبل الحق ممن تحب وممن لا تحب، فتقبله من عدوك كما تقبله من وليك، فلا تمنعك عداوته من قبول حقه، ولا من إيتائه إياه.
ومن أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته حقاً كان أو باطلاً، وتكل سريرته إلى الله تعالى.
وعلامة الكريم أنه إذا رأى الخلل في عذره لا يوقفه عليه ولا يحاجه، بل يصفح عن المعتذر فوراً، ويقول: يمكن أن يكون الأمر كما تقول، ولو قضي شيء لكان، والمقدر لا بدَّ واقع ونحو ذلك.
الثالثة: أن تتواضع للحق سبحانه، وتعبده بما أمرك به على مقتضى أمره، لا على ما تراه من رأيك.
ولا يكون الباعث لك على عبادته داعي العادة كما هو باعث من لا بصيرة له؛ بل يكون باعثه على العبودية لربه مجرد الأمر، ولا ترى لنفسك حقاً على الله
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٠٧١) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٨٥٣).