للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحليم، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (٥١)} [الأحزاب: ٥١].

وحلم الله عزَّ وجلَّ عن خلقه ليس لحاجته إليهم، بل هو سبحانه يحلم عنهم ويصفح ويغفر مع استغنائه عنهم، وشدة حاجتهم اليه.

وحلم الله جل جلاله من صفات كماله، فحلمه على عباده عظيم يتجلى في صبره على خلقه مع كثرة معاصيهم، فهو الغني الكريم الحليم الذي لا يحبس إنعامه وأفضاله وإحسانه عن عباده لأجل ذنوبهم، ولكنه كريم يرزق العاصي كما يرزق المطيع، ويبقيه وهو منهمك في معاصيه، كما يبقي البر التقي.

وقد يقيه بل وقاه الآفات والبلايا وهو غافل لا يذكره، فضلاً عن أن يدعوه ويشكره، كما يقيها الناسك الذي يؤمن به، ويسأله ويعبده.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ أحَدٌ، أوْ لَيْسَ شَيْءٌ أصْبَرَ عَلَى أذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَداً، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» متفق عليه (١).

وذنوب العباد عظيمة كبيرة كثيرة، ولو عجل الله عقوبة العصاة أولاً بأول، ما بقي على ظهر الأرض أحد، ولكن الله حليم رحيم، يؤخر عقوبة هؤلاء الظلمة إلى وقتهم الذي وقت لهم: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١)} [النحل: ٦١].

وتأخير العذاب عن العصاة إنما هو رحمة لهم وبهم، لعلهم يتوبون، ولكن الناس يغترون بالإمهال، وحلم الله عنهم، حتى يأخذهم سبحانه بعدله وقوته، عندما يأتي أجلهم الذي سمى لهم.

ألا ما أحلم الله .. وما أجهل البشر بأسماء الله وصفاته .. وما أكثر معاصيهم.

إن الله يريد للناس الرحمة والإمهال، ولكن الأجلاف والجهال منهم يرفضون


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٠٩٩) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٨٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>