وأن يكون العمل على سواء السبيل، الدرب النبوي المحمدي، لا على الجواد الوضعية، والأهواء الشيطانية.
وهؤلاء أخفياء سبقوا الناس في السير إلى الله، ولم ينقطعوا بشيء سوى الله عنه.
فكل ما قطع عن الله لم يقفوا معه، وما أوصلهم إلى الله لم يفارقوه، وكان وقوفهم معه.
ولم يُنسبوا إلى اسم يشتهرون به بين الناس، ولم يتقيدوا بعمل واحد يجري عليهم اسمه، فيُعرفون به دون غيره من الأعمال، فإن هذا آفة العبودية، وهي عبودية مقيدة.
وأما العبودية المطلقة فلا يُعرف صاحبها باسم معين، فهو يقوم بها على اختلاف أنواعها، فله في كل عبودية نصيب.
وهؤلاء لخفائهم على الناس، وصدق زهدهم وإخلاصهم لم يُعرفوا بينهم حتى يشار إليهم بالأصابع، وهؤلاء هم الذخائر والجواهر.
فإنهم لما كانوا مستورين عن الناس بأحوالهم، غير مشار إليهم، ولا متميزين برسم وشكل عن الناس، ولا منتسبين إلى طريق، أو مذهب، أو شيخ، أو زي، كانوا بمنزلة الذخائر المخبوءة.
وهؤلاء أبعد الخلق عن الآفات، فإن الآفات كلها تحت الرسوم والتقيد بها كما سبق، وهذه هي التي قطعت أكثر الخلق عن الله وهم لا يشعرون.
والعجب أن أهلها هم المعروفون بالجد والطلب والإرادة والسير إلى الله، وهم إلا القليل المقطوعون عن الله بتلك الرسوم والقيود.
الطبقة الثانية: اختاروا السر وأرادوه، صيانة لأحوالهم، وحفظاً لأعمالهم، فمقاماتهم عالية لا ترمقها العيون، يشيرون إلى ما يعرفه المخاطب، ويخفون ما مكنهم فيه الحق سبحانه من أحوال المحبة، وآثار المعرفة.
فهم مع الناس بظواهرهم، لكنهم يسترون عنهم أشرف أحوالهم، وأحسن