وهكذا الشدة مقدمة بين يدي الفرج، والبلاء مقدمة بين يدي العافية، والخوف الشديد مقدمة بين يدي الأمن.
وقد جرت سنة الله عزَّ وجلَّ أن هذه الأمور النافعة المحبوبة إنما يدخل إليها من أبواب أضدادها.
وأما قبض الجمع: فهو ما يحصل لقلب العبد حال جمعيته على الله من انقباضه عن العالم وما فيه، فلا يبقى فيه فضل ولا سعة لغير من اجتمع قلبه عليه.
وأما قبض التفرقة: فهو القبض الذي يحصل للعبد من تفرق قلبه عن الله، وتشتته عنه في الشعاب والأودية.
فأقل عقوبته ما يجده من القبض الذي يتمنى معه الموت.
وأما القبض في الحقائق:
فهو يتضمن قبض القلب عن غير الله إليه، وجمعيته بعد التفرقة عليه.
فالرب سبحانه حال بين خواص عباده وبين التعلق بالخلق، وصرف قلوبهم وهممهم وعزائمهم إليه، وهم الذي ادخرهم الحق اصطناعاً لنفسه جلَّ جلاله.
وهؤلاء على ثلاثة أقسام:
الأولى: فرقة قبضهم إليه قبض التوفي، فضن بهم عن أعين الناس، فسترهم عن العالمين وقاية لهم، وصيانة عن ملابستهم، فغيبهم عن أعين الناس فلم يطلعهم عليهم.
وهؤلاء هم أهل الانقطاع والعزلة عن الناس وقت فساد الزمان، وهذه الحال تحمد في بعض الأماكن والأزمات دون بعضها، وإلا فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من هؤلاء، فالعزلة تحمد في وقت، وتذم في وقت.
الثانية: فرقة قبضهم بسترهم في لباس التلبيس، فهم مع الناس مخالطون لهم، والناس يرون ظواهرهم، وقد ستر الله حقائقهم وأحوالهم عن رؤية الخلق لها، فحالهم ملتبس على الناس لا يعرفونه.