وأما أن يكون الحزن عبادة مأمور بها فلا، ولكن يحمد في الحزن سببه، ومصدره، ولازمه، لا ذاته.
فإن المؤمن إما أن يحزن على تفريطه وتقصيره في طاعة ربه وعبادته، وإما أن يحزن على تورطه في مخالفته ومعصيته، وضياع أيامه وأوقاته.
وهذا يدل على صحة الإيمان في قلبه، وعلى حياته، حيث شغل قلبه بمثل هذا الألم فحزن عليه.
ولو كان قلبه ميتاً لم يحس بذلك، ولم يحزن، ولم يتألم، فما لجرح بميت إيلام، ولكن الحزن لا يجدي عليه فإنه يضعفه.
بل الذي ينفعه أن يستقبل السير، ويجد ويشمر، ويبذل جهده.
وأخص من هذا الحزن حزن العبد على جزء من أجزاء قلبه، كيف هو خال عن محبة الله؟ وحزنه على جزء من أجزاء بدنه كيف هو منصرف في غير محاب الله؟
ويدخل في هذا الحزن كل معارض يشغل العبد عن ربه من خاطر، أو إرادة، أو شاغل من خارج.
فهذه المراتب من الحزن لا بدَّ منها في الطريق، ولكن الكيس لا يدعها تملكه وتقعده، بل يجعل عوض فكرته فيها فكره فيما يدفعها به.
فإن المكروه إذا ورد على النفس، فإن كانت صغيرة اشتغلت بفكرها فيه، وفي حصوله عن الفكرة في الأسباب التي يدفعها به، فأوردتها الحزن.
وإن كانت نفساً شريفة كبيرة لم تفكر فيه، بل تصرف فكرها إلى ما ينفعها، فإن كان منه مخرج منه فكرت في عبودية الله فيه، وإن كان ذلك عوضاً لها من الحزن فلا فائدة في الحزن أصلاً.
ومن عرف الله أحبه ولا بدّ، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب.