للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنها حفاوة الله بهؤلاء القوم، وتوليه بذاته إعداد المذخور لهم عنده من الحفاوة والكرامة مما تقرب به العيون.

هذا المذخور لا يطلع عليه أحد سواه، ويظل عنده مستوراً، حتى يكشف لأصحابه عنه يوم لقائه.

والقرآن الكريم أحسن الحديث، والذين يخشون ربهم يتلقون هذا الذكر في وجل وارتعاش، تقشعر منه الجلود، ثم تهدأ النفوس، وتأنس قلوبهم بهذا الذكر كما قال سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣)} [الزمر: ٢٣].

وما ترتعش القلوب هكذا إلا حين تحركها إصبع الرحمن إلى الهدى والاستجابة والإشراق، والله يعلم من حقيقة القلوب ما يجازيها عليه بالهدى أو بالضلال: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (١٧)} [الكهف: ١٧].

فهو سبحانه يضله بما يعلمه من حقيقته المستقرة على الضلال التي لا تقبل الهدى، ولا تجنح إليه بحال.

وأهل كرامته هم أهل خشيته كما قال سبحانه: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)} [البينة: ٨].

وكل من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخافه ويخشاه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨].

فسبحان العزيز الذي بعزته قهر جميع الخلائق، الغفور الذي يغفر ذنوب التائبين، الشكور الذي يقبل القليل، ويجازي بالكثير.

والخشية خوف يشوبه تعظيم، وهي تألم القلب بسبب توقع مكروه في

<<  <  ج: ص:  >  >>