للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُرْسَلِينَ (٣٧)} [الصافات: ٣٧].

فالرسل قبله بشروا به، وأخبروا بمجيئه، فمجيئه هو نفس صدق خبرهم، وعادة الله في رسله أن السابق يبشر باللاحق، واللاحق يصدق السابق كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)} [الصف: ٦].

وموسى - صلى الله عليه وسلم - اصطنعه الله لنفسه، وخصه بكلامه، وكان موسى - صلى الله عليه وسلم - من أعظم خلق الله هيئة ووقاراً، وأشدهم بأساً وغضباً لله، وبطشاً بأعداء الله، وكان لا يستطاع النظر إليه.

وموسى - صلى الله عليه وسلم - كان في مظهر الجلال، ولهذا كانت شريعته شريعة جلال وقهر.

فأمته أمروا بقتل نفوسهم، وحرمت عليهم الشحوم وذوات الظفر وغيرها من الطيبات، وحرمت عليهم الغنائم، وعجل لهم من العقوبات ما عجل، وحملوا من الآصار والأغلال ما لم يحمله غيرهم.

وعيسى - صلى الله عليه وسلم - كان في مظهر الجمال، وكانت شريعته شريعة فضل وإحسان، وكان لا يقاتل ولا يحارب، وليس في شريعته قتال البتة، والنصارى يحرم عليهم دينهم القتال، وهم به عصاة لشرعه، وليس في شريعتهم مشقة ولا آصار ولا أغلال، والرهبانية ابتدعوها ولم تكتب عليهم كما قال سبحانه:

{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٧)} [الحديد: ٢٧].

وأما نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فكان في مظهر الكمال الجامع لتلك القوة، والعدل والشدة في الله، وهذا اللين والرحمة والرأفة.

وشريعته أكمل الشرائع فهو نبي الكمال، وشريعته شريعة الكمال، وأمته أكمل الأمم، وأحوالهم ومقاماتهم أكمل الأحوال والمقامات.

ولذلك جاءت شريعته بالعدل إيجاباً له، وبالفضل استحباباً، وبالشدة في موضع الشدة، وباللين في موضع اللين.

<<  <  ج: ص:  >  >>