وبذل الجهد لإعلاء كلمة الله يقوم على الدعوة إلى الإيمان بالله أولاً، ثم الدعوة إلى القيام بالأعمال ثانياً.
وكان جهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحياة المكية لإدخال الإيمان في القلوب لتستعد لقبول الأعمال، وذلك بتعريف الناس بربهم، وذكر أسمائه وصفاته وأفعاله، وجلاله وجماله، وعظمته وكبريائه، ليعرفوه ويعظموه ويكبروه، فإذا عرفوه توجهوا إليه وحده دون سواه، وذكر آلائه ونعمه وفضله وإحسانه إلى الخلق ليشكروه ويحمدوه ويتوجهون إليه في قضاء حوائجهم.
وذكر قصص الأنبياء مع أممهم، وكيف نصر الله رسله وأولياءه، وخذل أعداءه وأهلكهم.
وفي الحياة المدنية كان حفظ الإيمان وزيادته بسبب قوة الأعمال، وقوة الجهد على النفس وعلى الغير، ففي مكة كانت قوة الاستعداد لفعل الأوامر، وفي المدينة كان تنفيذ الأوامر بالرغبة والمحبة والشوق كالعبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج ونحو ذلك، وكذلك الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله، وحسن المعاملات والمعاشرات والأخلاق والآداب.
فنزلت الأحكام في المدينة كالمطر، شاملة لكل أحوال الإنسان، واستقبلها الصحابة بإيمان تام، ويقين راسخ، وفرحوا بها، وتلذذوا بأدائها، وتنافسوا في المسارعة إليها، والإكثار منها، وسلموا أنفسهم لله بالإيمان والطاعة، ولرسوله بكمال الانقياد والامتثال فكانوا حقاً أعظم وأفضل نواة لخير أمة أخرجت للناس في كل شيء:
في الإيمان .. والعبادات .. والمعاملات .. والمعاشرات .. والأخلاق.