أما قبول الناس للهدى والدين أو عدم قبولهم له فذلك بيد الله وحده، فهو الذي يعلم من يستحق الهداية ويطلبها فيسوقها إليه، ويعلم من لا يستحق ذلك ممن لا خير فيه فيصرفه عنها كما قال سبحانه: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)} [القصص: ٥٦].
ومدار السعادة في الدنيا والآخرة وعنوان الفلاح إنما يكون بطاعة الله ورسوله، وكل رسول مأمور أن يبلغ ما أرسل به إلى الناس بلاغاً تقوم به الحجة، وليس بيده من هداية الناس شيء، ولا من حسابهم شيء، وإنما يحاسبهم على أعمالهم من الطاعات والمعاصي عالم الغيب والشهادة كما قال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٢)} [التغابن: ١٢].
وهذا القرآن الكريم فيه كل ما يسعد العباد في الدنيا والآخرة، وبه يصلون إلى أعلى المقامات في الدنيا والآخرة، لما اشتمل عليه من العلوم الشريفة، والسنن والآداب، والأحكام والشرائع، والأخلاق العالية، والترغيب والترهيب، وأحوال اليوم الآخر، حتى يستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
فما الذي دهى الأمة حتى أعرضت عنه، ونبذت أحكامه وسننه وشرائعه؟
إن هذا الدين الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من ربه حق واجب لكل إنسان، فيجب إيصاله إليه ودعوته إليه، حتى لا تكون فتنة وفرقة وخلاف، ويكون الدين كله لله: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٥٢)} [إبراهيم: ٥٢].
وقد جمع الله للأنبياء بين الصديقية والنبوة، كما قال سبحانه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١)} [مريم: ٤١].
والصديق كثير الصدق، فهو الصادق في أقواله وأفعاله وأحواله، المصدق بكل