ولكن رحمة الله جلَّ جلاله تدرك العباد كلما ضلوا، فإذا الموكب الكريم من رسل الله يواجه البشرية بالهدى، ويلوح لها بالنور، يبشرها بالجنة، ويحذرها من النار، ونزغات الشيطان الرجيم.
إن هذا الإنسان المزدوج الطبيعة، العجيب التركيب، ذو فطرة وعقل، وذو جسد وروح، خلقه الله قابلاً للهدى والضلال، والإيمان والكفر، يؤمن بربه، ويتعامل معه فيعرف أسماءه وصفاته، ومشيئته وقدره، وقدرته وجبروته، ورحمته وفضله.
ويتعامل مع الملأ الأعلى وملائكة ربه .. ويتعامل مع إبليس وقبيله .. ويتعامل مع هذا الكون المشهود .. ويتعرف على سنن الله فيه .. ويتعامل مع الأحياء في هذه الأرض .. ويتعامل مع بعضه البعض .. يتعامل مع هذه الآفاق وهذه العوالم بطبيعته تلك.
وفي هذا الخضم المتشابك من العلاقات والروابط يجري تاريخه، وتختلف أحواله، ويتلون سلوكه، وتختلف مشاربه، فهو بحاجة إلى الهدى والرشاد، والحفظ والإيمان، والتوفيق والسداد، وقد شهدنا تكريمه في الملأ الأعلى، وأمر الملائكة بالسجود له، والبارئ العظيم يعلن ميلاده، ويعلن خلافته في الأرض كما ذكر الله في كتابه.
وشهدنا ضعفه بعد ذلك، وكيف قاده منه عدوه الشيطان، وكان سبباً في خروجه من الجنة.
وشهدنا مهبطه إلى الأرض، وانطلاقه بشتى أنواع التعامل على ظهرها وقد أهبط الله آدم إلى هذه الأرض مؤمناً بربه، مستغفراً لذنبه مأخوذاً عليه عهد الخلافة أن يتبع ما يأتيه من ربه، ولا يتبع الهوى ولا الشيطان بعد ما ابتلاه الله في الجنة.
ثم مضى به الزمن وتقاذفته الأمواج في الخضم، وتفاعلت تلك العوامل في كيان ذاته وفي الوجود من حوله، فإذا هو يدلف إلى الجاهلية.