وكل من يؤمن بالله ورسوله ويدين دين الحق لا ينتهي عمله فإنه يبذل جهده لإفراغ حياته في قالب الإسلام فحسب، بل يلزمه بمقتضى ذلك الإيمان أن يستنفد جميع قواه ومساعيه في انتزاع زمام الأمر من أيدي الكفار والفجار والظلمة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، ويستعبدون البشر، حتى يتسلمه رجال ذو صلاح، ممن يتقون الله، ويرجون حسابه، ويقوم في أرض الله حكمه ودينه، وشرعه الذي ارتضاه لعباده، وأرسل به رسله، وبه صلاح الدنيا والآخرة.
إن الله تبارك وتعالى حين يدعو الناس إلى إقامة حكم الله وشرعه في الأرض، إنما يدعوهم لإنقاذ إنسانيتهم، وتحرير رقابهم من العبودية للعبيد إلى عبودية الله وحده.
كما يدعوهم لإنقاذ أرواحهم وأموالهم من هوى الطواغيت وشهواتهم.
إنه يكلفهم أعباء المعركة مع الطواغيت تحت رايته، لينقذهم من بلاء وشدائد أكبر وأكثر وأطول.
لذلك قالها شعيب - صلى الله عليه وسلم - مدوية حاسمة:{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الأعراف: ٨٩].
وما أحسن أخلاق الأنبياء، وما أحسن آداب أنبياء الله ورسله، إن شعيباً - صلى الله عليه وسلم - لكمال إيمانه ويقينه على ربه، بقدر ما يرفع رأسه، وبقدر ما يرفع صوته في مواجهة طواغيت البشر من الملأ الذين استكبروا من قومه، بقدر ما يخفض هامته، ويسلم وجهه أمام ربه الجليل الذي وسع كل شيء رحمةً وعلماً.
إنه يفوض الأمر إلى ربه في مستقبل ما يكون من أمره وأمر المؤمنين معه.
ثم يدع شعيب طواغيت قومه وتهديدهم، ويتجه إلى وليه بالتوكل الواثق، يدعو ربه أن يفصل بينه وبين قومه بالحق قائلاً: {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (٨٩)} [الأعراف: ٨٩].
عندئذ توجه الملأ الكفار من قومه إلى المؤمنين به يخوفونهم ويهددونهم،