للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)} [فصلت: ٣٤، ٣٥].

وبذلك ينقلب الهياج إلى وداعة، والغضب إلى سكينة، والتبجح إلى حياء، والاستكبار إلى تواضع، والشدة إلى سماحة.

غير أن تلك السماحة تحتاج إلى قلب كبير يعطف ويسمح وهو قادر على الإساءة والرد، حتى لا يصدر الإحسان في نفس المسيء ضعفاً.

ودفع السيئة بالحسنة والسماحة والصبر درجة عظيمة لا يلقاها كل إنسان، فهي في حاجة إلى الصبر، وهي كذلك حظ موهوب يتفضل به الله على عباده الذين يحاولون فيستحقون: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)} [فصلت: ٣٥].

والغضب قد ينزغ، وقد يلقي الشيطان في الروع قلة الصبر على الإساءة، وضيق الصدر عن السماحة، وحينئذ لا بدَّ من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم الذي يستغل الغضب فينفذ منه إلى قلب الإنسان: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦)} [فصلت: ٣٦].

والداعي إلى الله لا يطلب من الناس أجراً على الهدى الذي ينتهي بهم إلى نعيم الجنة، وينأى بهم عن عذاب النار، إنما هي مودته وحبه لهم لقرابتهم منه، وحسبه ذلك أجراً: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣)} [الشورى: ٢٣].

فما أعظم فضل الله على عباده، ليس هو مجرد تناول الأجر على الهداية، بل إنها الزيادة والفضل، ثم هي بعد هذا كله المغفرة والشكر.

والله غفور شكور يشكر عباده، ويعظم لهم الأجور، وهو الذي وهبهم التوفيق على الإحسان، ثم هو يزيد لهم الحسنات، ويغفر لهم السيئات، ويشكر لهم بعد هذا وذاك.

فيا للجود والفيض، والمعروف والإحسان، الذي يعجز الإنسان عن معرفته ومتابعته فضلاً عن شكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>