للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شِبْراً فَمَاتَ، إِلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» متفق عليه (١).

ومن تأمل ما جرى على الإسلام من الفتن الصغار والكبار رآها من إضاعة هذا الأصل العظيم، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه.

وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى بمكة أكبر المنكرات وألوان الشرك في أول بعثته ولم يستطع تغييرها بيده مع بغضه لها.

بل لما فتح مكة، وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالجاهلية.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «يا عائشة: لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ؛ لأمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأدْخَلْتُ فِيهِ مَا أخْرِجَ مِنْهُ، وَألْزَقْتُهُ بِالأرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيّاً وَبَابًا غَربيّاً، فَبَلَغْتُ بِهِ أسَاسَ إِبْرَاهِيمَ» متفق عليه (٢).

ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد، لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه من سفك الدماء واضطراب الأمن.

فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة، إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كالرماية وسباق الخيل ونحوهما.

وإذا رأيت الكفار المقاتلين يشربون الخمر فلا تنكر عليهم؛ لأن الله عزَّ وجلَّ إنما حرم الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية، وأخذ الأموال، وهكذا.

وقد وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب الحرج والمشقة، وحصول الفتن، وتكليف ما لا سبيل إليه، وما يُعلم أن الشريعة لا تأتي به.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة الأنبياء والرسل، ووظيفة هذه


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧٠٥٤) واللفظ له، ومسلم برقم (١٨٤٩).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (١٥٨٦)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٣٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>