للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهم سدوا على أنفسهم باب الهدى إرادة منهم واختياراً، فَسَدَّه الله عليهم اضطراراً، وخلاهم وما اختاروا لأنفسهم، وولاهم ما تولوه، وأدخلهم من الباب الذي استبقوا إليه، وأغلق عنهم الباب الذي تولوا عنه وهم معرضون، إذ لا طارق يطرقه منهم.

فلا أقبح من فعلهم، ولا أحسن من فعله، ولو شاء ربك لَخَلَقهم على غير هذه الصفة.

ولكنه سبحانه حكيم عليم، خلق العلو والسفل، والنور والظلمة، والطيب والخبيث، والنافع والضار، والملائكة والشياطين.

فسبحان الحكيم العليم، وتبارك الله أحسن الخالقين: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)} [الأعلى: ٢،٣].

والهداية المسؤولة في قوله سبحانه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} [الفاتحة: ٦].

هي طلب التعريف والبيان والإرشاد، والتوفيق والإلهام.

فكل عبد لا يحصل له الهدى التام المطلوب إلا بعد ستة أمور، وهو محتاج إليها حاجة لا غنى له عنها، وهي:

الأول: معرفة العبد في جميع ما يأتيه ويذره بكونه محبوباً للرب تعالى مرضياً له فيؤثره، وكونه مبغوضاً له مسخوطاً فيجتنبه، فإن نقص من هذا العلم والمعرفة شيء نقص من الهداية التامة بحسبه.

الثاني: أن يكون مريداً لجميع ما يحب الله منه أن يفعله عازماً عليه، ومريداً لترك جميع ما نهى الله عنه، عازماً على تركه بعد خطوره بالبال مفصلاً أو مجملاً، فإن نقص من إرادته لذلك شيء نقص من الهدى التام بحسب ما نقص من الإرادة.

الثالث: أن يكون قائماً به فعلاً وتركاً، فإن نقص من فعله شيء نقص من هداه بحسبه.

فهذه أصول الهداية، ويتبعها ثلاثة أخرى هي من تمامها وكمالها.

أحدها: أمور هدي إليها جملة، ولم يهتد إلى تفاصيلها، فهو محتاج إلى هداية

<<  <  ج: ص:  >  >>