للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدره عليهم، فقامت عليهم بالمعصية حجة عدله فعاقبهم بظلمهم.

فإن قيل: كيف تقوم حجته عليهم وقد منعهم من الهدى وحال بينهم وبينه؟.

قيل: حجته سبحانه قائمة عليهم بتخليته بينهم وبين الهدى، وبيان الرسل لهم، وإراءتهم الصراط المستقيم حتى كأنهم يشاهدونه عياناً، وأقام لهم أسباب الهداية ظاهراً وباطناً، ولم يحل بينهم وبين تلك الأسباب.

ومن حال بينه وبينها منهم بزوال عقل، أو صغر سن، أو كونه بناحية من الأرض لم تبلغه دعوة رسله، فإنه لا يعذب حتى يقيم عليه حجته.

فلم يمنعهم من هذا الهدى، ولم يحل بينهم وبينه.

وهو سبحانه وإن قطع عنهم توفيقه، ولم يرد من نفسه إعانتهم، والإقبال بقلوبهم إليه، فلم يحل بينهم وبين ما هو مقدور لهم، وإن حال بينهم وبين ما لا يقدرون عليه، وهو فعله ومشيئته وتوفيقه، فهذا غير مقدور لهم، وهو الذي منعوه، وحيل بينهم وبينه.

والهداية إلى الصراط المستقيم والتوفيق لذلك بيد الله وحده كما قال سبحانه لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠)} [سبأ: ٥٠].

والناس قسمان:

حي قابل للانتفاع، يقبل الإنذار، وينتفع به.

وميت لا يقبل الإنذار، ولا ينتفع به؛ لأن أرضه غير زاكية، ولا قابلة لخير البتة، فيحق عليه القول بالعذاب، وتكون عقوبته بعد قيام الحجة عليه، لا بمجرد كونه غير قابل للهدى والإيمان، بل لأنه غير قابل ولا فاعل.

فلما أرسل الله إليه رسوله فأمره ونهاه، فعصى الرسول بكونه غير قابل للهدى، فعوقب بكونه غير فاعل، فحق عليه القول أنه لا يؤمن ولو جاءه الرسول كما قال سبحانه: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣)} [يونس: ٣٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>