وبالشورى تُعلم مقادير عقول الناس وأفهامهم، ومقدار حبهم للدين، ومقدار استعدادهم للقيام بالدين، فيستخدمهم للدين كل حسب منزلته.
ومشاورة المسلمين في أمور الدين تشعرهم بأن لهم قدراً عند الله، وعند الخلق، وأنهم مسؤولون عن الدين، والملك العظيم لا يشاور في المهمات العظيمة إلا خواصه والمقربين عنده، وبذلك تجود عقولهم بأنفس الآراء وأصوبها.
وفي الشورى تسميح لخواطر المؤمنين، وإزالة لما يصير في النفوس من آثار سوء الفهم، فإن من له الأمر على الناس إذا جمع أهل الرأي والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته، لعلمهم بسعيه في مصالح المسلمين.
وفي الاستشارة تنور الأفكار بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول.
ومنها ما تنتجه الشورى من الرأي المصيب، فإن المشاوِر لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب فليس بملوم؛ لأنه فعل ما يمكنه، وما ندم من استخار، ولا خاب من استشار.
وللشورى آداب:
فأساس الشورى الأمانة والنصيحة، والرحمة والشفقة، واللين والمحبة، والعفو والصفح عن الإساءة، وجمع القلوب على الهدى، وخفض الجناح للمؤمنين.
فنعطي الرأي بأمانة وصدق لمصلحة الدين .. ونحب الخير للجميع .. ونحترمهم ونوقرهم حتى نستفيد من استعداد الناس لخدمة الدين ونشره وتعليمه .. ونلين لهم حتى تجتمع القلوب على الإيمان ولا تنفر من العمل، وحتى لا يضيع الاستعداد الموجود في الأمة .. والناس معادن كمعادن الذهب والفضة فنستفيد من كل واحد بحسبه:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: ١٥٩].