السيئة التي يبغضها الله، ولكن هذا لا يكفي، فلا بدَّ أن يمروا بمنخل آخر وهو:
الثاني: منخل الشهوات، فالله له محبوبات وأوامر، والنفس لها محبوبات وأوامر، فلا بد من تقديم ما يحبه الله على ما تحبه النفس، فالنصر ينزل والهداية تحصل بامتثال أوامر الله، فمن قدم أوامر الله على شهواته فاز ونُصر، ومن قدم شهواته على أوامر الله خسر وحُرِم كما شرب أكثر جيش طالوت من النهر الشرب المنهي عنه فحُرموا الخير، ورجعوا على أعقابهم، ونكصوا عن قتال عدوهم، وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة أكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول، وتحصل به المشقة الكبيرة، وكان في رجوعهم عن باقي العسكر ما يزداد به الثابتون توكلاً على الله وثباتاً وتضرعاً إليه، فقعد من شرب كثيراً، وسار مع طالوت من اغترف غرفة بيده كما قال سبحانه:{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}[البقرة: ٢٤٩].
وحسن الأخلاق، وتقديم ما يحبه الله على ما تحبه النفس لا يكفي، فلا بدَّ من منخل آخر وهو:
الثالث: منخل المشاهدات، فالله سبحانه بيده كل شيء، وغيره ليس بيده شيء، فمن كان يقينه على الله نصره، وجعله سبباً لهداية الناس، ومن كان يقينه على المشاهدات والمصنوعات والأعداد أذله الله بها وهزم بسببها كما قال سبحانه عن طالوت وجيشه: {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)} [البقرة: ٢٤٩].
فالمؤمنون الذين أطاعوا أمر الله، ولم يشربوا من النهر الشرب المنهي عنه وساروا مع طالوت لحرب عدوه صاروا فريقين:
فريق لما رأوا قلتهم وكثرة عدوهم قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده؛