ولا يهولن المسلم أن تكون هذه القوة الضالة ضخمة أو عاتية، فهي بضلالها عن مصدر قوتها الأول، قوة الله عزَّ وجلَّ، تفقد قوتها الحقيقية، كما ينفصل جرم ضخم من جرم ملتهب، فما يلبث أن ينطفئ ويبرد، ويفقد ناره ونوره، على حين تبقى لأية ذرة متصلة بمصدرها المشع قوتها وحرارتها ونورها، ومن كان الله معه فمعه كل شيء، ومن لم يكن الله معه فليس معه شيء.
أما القوى الطبيعية التي يرسلها الله عقوبة أحياناً، وابتلاء أحياناً كالخسوف والزلازل والبراكين، فموقفه منها الاتعاظ والاعتبار والتضرع إلى الله، والتوبة إليه.
والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، وكلاهما مطلوب من العبد، والجهاد باللسان مقدم على الجهاد بالسيف، وكلاهما مطلوب من العبد.
فمن كان له مال وهو يقدر على الجهاد بنفسه وجب عليه الجميع، وإن كان لا يقدر بنفسه وله مال وجب عليه الجهاد بماله.
فإن كان لا يقدر بالمال ولا بالنفس فالحرج عنه مرفوع كما قال سبحانه: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١)} [التوبة: ٩١].
والجهاد فريضة من فرائض الله إذا قامت أسبابه، فإذا تركته الأمة وأقبلت على الدنيا هلكت كما قال سبحانه: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)} [البقرة: ١٩٥].
ويجب على المسلمين أن يقوموا بما أمرهم الله به من جهاد أعدائهم بحسب استطاعتهم، وأن يتوكلوا على الله وحده ولا ينظروا إلى قوتهم وكثرتهم ولا يركنوا إليها، فإن ذلك من الشرك الخفي، ومن أسباب إدالة العدو عليهم، ووهنهم عن لقاء العدو؛ لأن الله أمرنا بفعل الأسباب، ولكن لا نركن إليها، بل نتوكل على الله وحده كما قال سبحانه: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ