فمن شاء بعد البيان والبلاغ فليؤمن، ومن شاء فليكفر ويدفع الجزية ولا إكراه في الدين كما قال سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)} [البقرة: ٢٥٦].
لكن يجب أن تزول العقبات من طريق إبلاغ هذا الخير للناس كافة كما جاء من عند الله للناس كافة، وأن تزول الحواجز التي تمنع الناس أن يسمعوا ويقتنعوا، وأن ينضموا إلى موكب الهدى إذا أرادوا.
وجاء الإسلام كذلك ليقيم في الأرض نظامه الخاص ويقرره ويحميه، وفوق هذا يقوم نظام أخلاقي كريم تكفل فيه الحرية لكل إنسان، حتى لمن لا يعتنق عقيدة الإسلام، وتصان فيه حرمات كل أحد، حتى الذين لا يعتنقون الإسلام، وتحفظ فيه حقوق كل إنسان من مسلم وغيره، ولا يكره فيه أحد على الإسلام، إنما هو البلاغ والبيان.
فهذا الدين العظيم الذي أكرم الله به خلقه، وأنزله عليهم، وبعث به رسوله إليهم، وارتضاه للبشرية جمعاء، من حقه أن يجاهد ليحطم قوة الباطل التي تناصبه العداء، وتكيد له بغير حق، وتحرم الناس منه، وتصد الناس عنه، وتنفرهم منه.
فليسحقها الإسلام سحقاً، ويبيد هذه الحشرة السامة، ليعلن نظامه الإلهي الرفيع في الأرض، ويدعو الناس إليه، ثم يدع الناس في ظله أحراراً، لا يلزم أحداً إلا بالطاعة لشرائعه الاجتماعية والأخلاقية، والمالية والسياسية التي تتضمن العدل والإحسان لكل البشر.
أما عقيدة القلب فهم فيها أحرار، فهو وإن كان يحب لهم الإيمان فهو لا يلزمهم به ولا يكرههم عليه، وأما أحوالهم الشخصية فهم فيها أحرار، يزاولونها وفق عقائدهم، والإسلام يكفل لهم حقوقهم، ويصون لهم حرماتهم.
والمجاهدون في سبيل الله كثير، وليس كل مجاهد في سبيل الله يرزق الشهادة، فالشهداء مختارون، يختارهم الله من بين المجاهدين ويتخذهم لنفسه سبحانه.