جهادهما إلا بجهاده وهو الشيطان، فهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما ويخذل ويرجف به، ولا يزال يخيل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ، وفوت اللذات والمشتهيات.
فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع، كل أحد بحسبه كما قال سبحانه: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (٥٢)} [الفرقان: ٥٢].
فهذا أعظم الجهاد، وهو جهاد الدعوة وتبليغ الدين إلى الناس.
وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ بأن نجاهد في الله حق جهاده كما قال سبحانه:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}[الحج: ٧٨].
وأمرنا كذلك أن نتقيه حق تقاته كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)} [آل عمران: ١٠٢].
وحق تقاته، وحق جهاده، هو ما يطيقه كل عبد في نفسه.
وذلك يختلف باختلاف أحوال المكلفين في القدرة والعجز، والعلم والجهل، والغنى والفقر.
فحق التقوى، وحق الجهاد بالنسبة إلى القادر المتمكن العالم شيء، وبالنسبة إلى العاجز الجاهل الضعيف شيء آخر.
فما جعل الله على أحد في الدين من حرج، بل جعله واسعاً يسع كل أحد، كما جعل رزقه يسع كل حي، فكلف العبد بما يسعه، ورزقه ما يحتاجه، وأغناه من فضله، وما جعل على عبده في الدين من حرج بوجه ما.
فاتقوا الله حق تقاته، وجاهدوا في الله حق جهاده: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)} [الحج: ٧٨].
وإذا ترك المسلمون الجهاد في سبيل الله ابتلاهم الله بأن يوقع بينهم العداوة