وعندما بلغت المعركة بين الإيمان والطغيان في عالم القلب إلى هذا الحد العالي، تولت يد القدرة راية الحق لترفعها عالية، وتنكس راية الباطل بلا جهد من أهل الإيمان، فلم يتكلف أصحاب الإيمان سوى اتباع الحق، والسري ليلاً: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (٧٩)} [طه: ٧٧ - ٧٩].
ذلك أن القوتين لم تكونا متكافئتين ولا متقاربتين في عالم الواقع، موسى وقومه ضعاف مجردون من القوة، وفرعون وجنوده يملكون القوة المادية كلها، فلا سبيل إلى خوض معركة مادية أصلاً.
هنا تولت يد القدرة إدارة المعركة، فأنجى الله موسى وقومه، وأغرق فرعون وجنوده بأمر واحد، وبماء واحد، في آن واحد، ولكن تم ذلك بعد كمال الإيمان في القلب.
وحين كان بنو إسرائيل يؤدون ضريبة الذل لفرعون وهو يقتل أبناءهم، ويستحيي نساءهم، لم تنزل عليهم نصرة الله؛ لنقضهم عهد الله.
ولكن لما استعلن الإيمان في قلوب الذين آمنوا بموسى، واستعدوا لاحتمال التعذيب جهروا بكلمة الإيمان في وجه فرعون دون تحرج، ودون اتقاء للتعذيب، أيدهم الله بنصره، وأعلن النصر الذي تم قبل ذلك في الأرواح